فصل: تفسير الآيات (37- 39):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (37- 39):

{فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)}
قوله عز وجلَّ: {فَتَلَّقى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلَمَاتٍ فَتابَ عَلَيْهِ}:
أما (الكلام) فمأخوذ من التأثير، لأن له تأثيراً في النفس بما يدلُّ عليه من المعاني؛ ولذلك سُمِّيَ الجُرْحُ كَلْماً لتَأْثِيره في البدن، واللفظُ مشتق من قولك: لفظت الشيء، إذا أخْرجْتَهُ من قلبك.
واختُلِفَ في الكلمات التي تلقَّاها آدم من ربِّه على ثلاثة أقاويل:
أحدها: قوله: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23] وهذا قول الحسن، وقتادة، وابن زيد.
والثاني: قول آدم: اللهم لا إله إلا أنت، سبحانك وبحمدك، ربِّ إني ظلمت نفسي، فاغفر لي، إنك خير الغافرين، اللهم لا إله إلا أنت، سبحانك وبحمدك، إنِّي ظلمت نفسي، فتُب عليَّ، إِنَّك أنت التوابُ الرحيم، وهذا قول مجاهد.
والثالث: أن آدم قال لربِّه إذ عصاه: ربِّ أرأيت إن تبت وأصلحت؟ فقال ربُّه: إني راجعك إلى الجنَّةِ، وكانت هي الكلمات التي تلقاها من ربه، وهذا قول ابن عباسٍ.
قوله عز وجل: {فَتَابَ عَلَيْهِ}، أي قبل توبته، والتوبةُ الرجوع، فهي من العبد رجوعه عن الذنب بالندم عليه، والإقلاع عنه، وهي من الله تعالى على عبده، رجوع له إلى ما كان عليه.
فإن قيل: فِلمَ قال: {فَتَابَ عَلَيْهِ}، ولم يقُلْ: فتابَ علَيْهِما، والتوبة قد توجهت إليهما؟ قيل: عنه جوابان:
أحدهما: لما ذكر آدم وحده بقوله: {فَتَلَّقى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ}، ذكر بعده قبول توبته، ولم يذكر توبة حوَّاء وإن كانت مقبولة التوبة، لأنه لم يتقدم ذكرها.
والثاني: أن الاثنين إذا كان معنى فعلهما واحداً، جاز أن يذكرَ أحدهما، ويكونَ المعنى لهما، كما قال تعالى: {وَإذَا رَأَوا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11] وكما قال عز وجل: {وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [التوبة: 62].
قوله تعالى: {إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}، أي الكثيرُ القبولِ للتوبةِ، وعقَّبه بالرحمة، لئلا يخلِّيَ الله تعالى عباده من نِعَمِهِ.
وقال الحسن: لم يخلق الله تعالى آدم إلا للأرض، فلو لم يعص لخرج على غير تلك الحال، وقال غيره: يجوز أن يكون خَلَقَهُ للأرض إن عَصَى، ولغيرها إن لم يعصِ.
ولم يُخْرجِ اللهُ تعالى آدمَ من الجنة ويُهْبِطهُ على الأرض عقوبةً، لأمرين: أحدهما: أن ذنبه كان صغيراً.
والثاني: أنه أُهْبِطَ بعد قبول توبته.
وإنما أُهْبِطَ لأحد أمرين: إِمَّا تأديباً، وإمَّا تغليظاً للمحنة.

.تفسير الآيات (40- 41):

{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41)}
قوله عز وجل: {يا بَنِي إسْرَائِيلَ اذْكُرُا نعمتي الَّتي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ}.
وإسرائيل هو يعقوبُ بنُ إسحاقَ بن إبراهيمَ، قال ابنُ عباس: (إسرا) بالعبرانية: عبد، و(إيل) هو الله، فكان اسمه عبدَ الله.
وقوله: {اذْكُروا نِعْمَتِيَ} والذكر اسم مشترك، فالذكر بالقلب ضد النسيان، والذكر باللسان ضد الإنصات، والذكر الشرف، وقال الكسائي: ما كان بالقلب فهو مضموم الذال، وقال غيره: هو لغتان: ذِكر وذُكر، ومعناهما واحد.
والمراد بالآية الذكر بالقلب، وتقديره: لا تغفلوا عن نعمتي، التي أنعَمْتُ عليكم ولا تَنَاسَوْها.
وفي النعمة التي أنعمها عليهم قولان:
أحدهما: عموم نِعَمِهِ الَّتي أنعم بها على خلْقِهِ، كما قال تعالى: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا} [النحل: 18].
والثاني: وهو قول الحسن البصري، أنه أراد نِعَمَهُ عَلَى آبائهم، إذ نجَّاهم من آل فرعون، وجعل منهم الأنبياء، وأنزل عليهم الكتب، وفجَّر لهم الحَجَرَ، وأنزل عليهم المنَّ والسلوى، والنعم على الآباء، نعم على الأبناء، لأنهم يَشْرُفون بشرف آبائهم.
وفي قوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} قولان:
أحدهما: أوفوا بعهدي الذي أخذتُ عليكم من الميثاق، أن تؤمنوا بي وتصدقوا رُسُلي، أُوفِ بعهدكم على ما وعدتكم من الجنة.
والثاني: قاله عبد الله بن عباس: أَوْفُوا بما أَمَرْتُكم، أُوفِ بما وَعَدْتُكم إِيَّاهُ.
وفي تسمية ذلك عهداً قولان:
أحدهما: لأنه عَهْدُهُ في الكتب السالفةِ.
والثاني: أنه جعله كالعهد، الذي هو يمين لِلُزُوم الوفاءِ بهما معاً.
قوله عز وجل: {وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ} يعني من القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، {مُصَدٍِّقاً لِمَا مَعَكُمْ} يعني من التوراة، وفيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: مصدقاً لما في التوراة، من توحيد الله وطاعته.
والثاني: مصدقاً لما في التوراة، أنها من عند الله.
والثالث: مصدقاً لما في التوراة من ذكر القرآن، وبَعْثِهِ مُحمداً صلى الله عليه وسلم نبيّاً.
وفي قوله تعالى: {وَلاَ تَكُونُوا أُوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} ثلاثة أقاويل:
أحدها: ولا تكونوا أول كافرٍ بالقرآن من أهل الكتاب، وهو قول ابن جريجٍ.
والثاني: ولا تكونوا أول كافر بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، وهذا قول أبي العالية.
والثالث: ولا تكونوا أول كافرٍ بما في التوراة والإنجيل من ذكر محمدٍ وتصديقِ القرآن.
وفي قوله تعالى: {وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً} ثلاثةُ تأويلاتٍ:
أحدها: لا تأخذوا عليه أجراً، وهو مكتوب عندهم في الكتاب الأول: (يا ابن آدم علِّم مجَّاناً كما عُلِّمْتَ مجَّاناً)، وهذا قول أبي العالية.
والثاني: لا تأخذوا على تغييره وتبديله ثمناً، وهذا قول الحسن البصري.
والثالث: لا تأخذوا ثمناً قليلاً على كتم ما فيه من ذكر محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وتصديق القرآن، وهذا قول السدي.

.تفسير الآيات (42- 43):

{وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)}
قوله عز وجل: {وَلاَ تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِل} بعني لا تخلطوا الْحَقَّ بالباطلِ، واللبس خلط الأمور، وفيه قوله تعالى: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ} [الأنعام: 9] قال ابن عباسٍ: معناه: ولخلطنا عليهم ما كانوا يخلطون، ومنه قول العجاج:
لَمَّا لَبَسْنَ الْحَقَّ بِالتَّجَنِّي ** غَنِينَ واسْتَبْدَلْنَ زَيْداً مِنِّي

وفي قوله: {الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: الصدق، وهو قول ابن عباس.
والثاني: اليهودية والنصرانية بالإسلام، وهو قول مجاهد.
والثالث: الحقُّ: التوراةُ التي أُنْزِلَتْ على موسى، والباطلُ: الذي كتبوه بأيديهم.
وقوله تعالى: {وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ} يعني محمداً، ومعرفة نبوَّته، {وَاَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أنه في الكتب التي بأيديكم، وهذا قول الجميع.
قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}.
أما الصلاة: فقد مضى الكلام فيها.
وأما الزكاة: ففي تسمية صدقة الأموال بها، قولان:
أحدهما: أنه من تثمير المال وزيادته، ومنه قولهم: زَكا الزرع، إذا زاد، ويقال: زكا الفرد إذا صار زوجاً بزيادة الزائد عليه حتى صار شفعاً كما قال الشاعِرُ:
كَانُوا خَساً أَوْ زَكاً مِنْ دُونِ أَرْبَعَةٍ ** لَمْ يُخْلَقُوا وَجُدُودُ النَّاسِ تَعْتَلِج

فخساً: الوِتر، وزكاً: الشفع، وقال الراجز:
فَلاَ خَساً عَدِيدُهُ وَلاَ زَكاً ** كَمَا شِرَارُ الْبَقْلِ أَطْرَافُ السَّفَا

السَّفَا: شوك البهمي، والبهمي: الشوك الممدود مثل السبلى.
والقول الثاني: أنَّها مأخوذة من التطهير، ومنه قوله تعالى: {أَقَتَلْتَ نَفَساً زَاكِيَةً} [الكهف: 74] أي طاهرة من الذنوب.
وفيما يُطهَّر قولان:
أحدهما: أنه تطهير المال حتى صار بأداء الحقِّ منه حلالاً ولولاه لخَبُثَ.
الثاني: تطهير نفس المزكي، فكأن المزكي طهَّر نفسه من الشُحِّ والبخل.
قوله تعالى: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} فيه قولان:
أحدهما: أنه أراد جملة الصلاة، فعبر عنها بالركوع، كما يقول الإنسان: فَرَعْتُ من ركوعي، أي من صلاتي.
والثاني: أنه أراد الركوع الذي في الصلاة، لأنه لم يكن في صلاة أهل الكتاب ركوعٌ، فأَمَرَهُم بما لا يفعلونه في صلاتهم.
وفي أصل الركوع قولان:
أحدهما: أنه مأخوذ من التطامن والانحناء، وهو قول الخليل، وابن زيدٍ، قال لبيد بنُ ربيعة:
أخبّر أخبار القرون التي مضت ** أدِبُّ كَأَنِّي كُلَّمَا قُمْتُ رَاكِعُ

والثاني: أنه مأخوذ من المذلَّة والخضوع، وهو قول الأصمعي والمفضل، قال الأضبطُ بنُ قريع السَّعْدِيُّ:
لاَ تُذِلَّ الضَّعِيفَ عَلَّكَ أَنْ تَرْ ** كَعَ يَوْماً وَالدَّهْرُ قَدْ رَفَعَهْ

.تفسير الآية رقم (44):

{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44)}
قوله عز وجلَّ: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمُ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنهم كانوا يأمرون الناس بطاعة الله، وهم يَعْصُونَهُ، وهو قولُ السدي، وقتادة، لأنه قد يعبر بالبر عن الطاعة، قال الشاعِرُ:
لاَهُمَّ إِنَّ آلَ بَكْرٍ دُونَكَا ** يَبرُّكَ النَّاسُ وَيَفْجُرُونَكَا

أي يُطِيعونك.
والثاني: أنهم كانوا يأمرون الناس بالتمسك بكتاب ربهم ويتركونه بجحود ما فيه من نبوَّة محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وهو قول ابن عباس.
والثالث: أنهم كانوا يأمرون بالصدقة ويضنون بها.

.تفسير الآيات (45- 47):

{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47)}
قوله عز وجل: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ}:
أما الصبر: فهو حبس النفس عما تُنازع إليه، ومنه صبر صاحب المصيبة، أن يحبس نفسه عن الجزع، وسُمِّي الصوم صبراً لحبس النفس عن الطعام والشراب، ولذلك سُمِّي شهرُ رمضانَ شهر الصبرِ، وجاء في الحديث: «اقْتُلُوا الْقَاتِلَ، وَاصْبِرُوا الصَّابِرَ» وذلك فيمن أمسك رجلاً حتى قتله آخر، فأمر بقتل القاتل، وحبس الممسك.
وفي الصبر المأمور به، قولان:
أحدهما: أنه الصبرُ على طاعته، والكف عن معصيته.
والثاني: أنه الصوم، وقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبَهُ أمرٌ استعان بالصلاة والصيام، ورُويَ أنه رأى سلمان منبطحاً على وجهه، فقال له: أشكو من بردٍ. قال: «قم فصلِّ الصلاة تُشْفَ». وأما قوله تعالى: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ على الْخَاشِعِينَ} ففيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: يعني: وإن الصلاة لثقيلة إلا على المؤمنين، لعود الكناية إلى مؤنثِ اللفظِ.
والثاني: يعني الصبر والصلاة، فأرادهما، وإن عادت الكناية إلى الصلاة؛ لأنها أقرب مذكور، كما قال الشاعِرُ:
فَمَنْ يَكُ أَمْسَى في الْمَدِينَةِ رَحْلُهُ ** فَإِنِّي وَقَيَّارٌ بِهَا لَغَرِيبُ

والثالث: وإن إجابة محمد صلى الله عليه وسلم لشديدة إلا على الخاشعين.
والخشوع في الله: التواضع، ونظيره الخضوع، وقيل: إن الخضوع في البدن، والخشوعَ في الصوت، والبصر.
قوله تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو ربِّهِمْ} فيه تأويلان:
أحدهما: يظنون أنهم ملاقو ربهم بذنوبهم، لإشفاقهم من المعاصي التي كانت منهم.
والثاني: وهو قول الجمهور: أن الظن ها هنا اليقين، فكأنه قال: الذين يَتَيَقَّنُون أنهم ملاقو ربهم، وكذلك قوله تعالى: {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنَّي مُلاَقٍ حسَابِيَهْ} أي تيقَّنت، قال أبو داود:
رُبَّ هَمٍّ فَرَّجْتَهُ بِغَرِيمٍ ** وَغُيوبٍ كَشَفْتَهَا بِظُنُونِ

{وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أنه أراد بالرجوع الموت.
والثاني: أنهم راجعون بالإعادة في الآخرة، وهو قول أبي العالية.
والثالث: راجعون إليه، أي لا يملك أحد لهم ضرّاً ولا نفعاً غيره كما كانوا في بدءِ الخلق.